إعداد دكتور / نادر الصيرفي – المحامي ـ والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحية
دفع الأستاذ / نادر الصيرفي – المحامي – بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة – إصدار من القانون رقم 1 لسنة 2000 شأن إصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية فيما تضمنته ضمنيا بمفهوم المخالفة أجازة طرق الزوج المسيحي لزوجته بالإدارة المنفردة في حالة اختلاف الملة أو الطائفة طبقاً لنص المادة الثالثة من دستور سنة 2014 التي تنص على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية.
وتنص الفقرة الثاني من المادة الثالثة – اصدار من القانون رقم 1 لسنة 2000 : “ومع ذلك تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955 – طبقاً لتشريعتهم – فيما لا يخالف النظام العام” .
وقد تم ابداء هذا الدفع من جانب محامي الزوجة المدعى عليها بجلسة 9/6/2024 في الدعوى رقم 3370 لسنة 2024 وموضوعها اثبات طلاق المرفوعة من المدعى زوجها المنظورة أمام الدائرة رقم 19 بمحكمة القاهرة الجديدة الجزئية لشئون الأسرة برئاسة القاضي أحمد عبد العزيز محمد محسن.
وتم تقديم مذكرة شارحة لجدية الدفع مكونة من (15 ورقة) تضمنت نصوص القانون وموقف محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا في دعاوى معلقة بالموضوع قبل وبعد استحداث المادة الثالثة من الدستور 2014
وحيث أن المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن : ” تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:
…………………………………….
إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا ، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن ” .
وفيما يلي ملخص بأوجه الدفع الهامة بعدم الدستورية طبقاً للمذكرة المنوه عنها :
أولاً : تطور مفهوم النظام العام في الأحوال الشخصية للمسيحيين بعد استحداث المادة الثالثة من الدستور جعل مبادئ الشريعة المسيحية من القواعد الآمرة :
وحيث أن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية، التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم، دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به ، وحياته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد موالأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
( الدعوى رقم 175 لسنة 30 ق ” دستورية ” جلسة 8/5/2021 )
ثاناً : اتخاذ المحكمة الدستورية العليا المادة الثالثة من الدستور أساساً لتطبيق الشريعة المسيحية في الأحوال الشخصية للمسيحيين ولو تعارض النص الموضوعي مع بادئ الشريعة الإسلامية : (دستورية انفاق الزوجة المقتدرة الأثوذكسية على زوجها المعسر غير مستطيع الكسب بالمخالفة لقوامة الرجال في الشريعة الإسلامية )
وقالت المحكمة الدستورية العليا في حكمها سالف البيان ( بعد إقرار المادة الثالثة من الدستور ) أن : وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين – في إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها – إلى شرائعهم ، مستلزما ً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها، فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم، وندرج تحتها – في نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو سنة 1983 التي عمل بها اعتباراً من 8 يوليه سنة 1938 ، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها لائحتهم هذه – على ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، التي حلت محل الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية – شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة .
ثاثاً : خروج بعض المحاكم المصرية عن الأصل المقرر في الأحوال الشخصية للمصريين جميعاً بتطبيق الشريعة المسيحية في مواريث المسيحيين بالمخالفة للشريعة الإسلامية دون تعديل تشريعي استناداً لنص المادة الثالثة من الدستور:
ولما كانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت ” أنه فيما عدا الدائرة المحدودة التي وحد المشرع في نطاقها القواعد الموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم – كتلك التي تتعلق مواريثهم ووصاياهم وأهليتهم – فإن المصريين غير المسلمين لا يحتكمون لغير سرائعهم الدينية بالشروط التي حددها القانون رقم 462 لسنة 1955 ” : (المقابل للقانون رقم 1 لسنة 2000 ) . ( حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 79 لسنة 18 دستورية – جلسة 18/12/1997 )
بيد أن هناك ثلاث محاكم قد طبقت الشريعة المسيحية في الميراث وهما : وأما الحكم الأول صدر بتطبيق الشريعة المسيحية في الإرث في ظل الدستور الحالي، كان في 25 مايو سنة 2015 من محكمة استئناف طنطا مأمورية استئناف كفر الشيخ في الاستئناف رقم 1170 لسنة 47ق. الحكم الثاني الصادر من محكمة الاستئناف القاهرة بالقضية رقم 11666 لسنة 133 ق الدائرة 158 أحوال شخصية بالأحقية في المساواة بين الأشقاء ذكور وإناث في الميراث، عملاً بنص المادة الثالثة من الدستور . الحكم الثالث الصادر من الدائرة السابعة بمحكمة أسرة حلوان رقم 2793 لسنة 2018 ورثات حلوان، بتطبيق المساواة بين الذكر والأنثى المسيحيين بشأن توزيع الميراث، تؤكد على تطبيق المادة الثالثة من الدستور.
وقضت محكمة استئناف المنيا الدائرة ” 15 ” لشئون الأسرة بتعليق نظر استئناف مقدم من سيدة قبطية ضد شقيقة زوجها وأبناء شقيق زوجها لمطالبتهم بالحصول على نصيبهم الشرعي من إرث زوجها طبقاً للشريعة بمعنى أدق يعني الزوجة الربع طبقاً للائحة الأقباط ترث النصف والأملاك كبيرة والفرق من الربع للنصف يقدر بملايين، بينما مصلحة الزجة مع تطبيق لائحة الأقباط. وذلك لحين الفصل في الدفع بعدم دستورية المادة الأولى من القانون 25 لسنة 1944 والمادة 875/1 من القانون المدني رقم 131 لسنة 1948 والفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من القانون 1 لسنة 2000 وصرحت لمبدي الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، وذلك لمخالفة نصوص تلك المواد لنص المادتين 3 والمادة 53 من الدستور .
رابعاً : في ظل المادة الثانية من الدستور رفضت محكمة القض المصرية تعدد الزيجات للمسيحيين على الرغم من أن هذا المبدأ لم يرقى إلى مرتبة النظام العام قبل إقرار المادة الثالثة من الدستور وتوافر ذات الاعتبارات بالنسبة لطلاق المسيحي لزوجته بالإرادة المنفردة:
وقالت المحكمة في حكمها أن :
من المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن الإجماع أخذا بروح الإنجيل وفكرة الجسد الواحدة وعفة الزواج المسيحي على أن الوحدة في الزواج تعتبر من المبادئ التي تمسكن بها المسيحية من مستهل بزوغه، ومن خصائص الزواج المسيحي أنه علاقة فردية لا يمكن أن تنشأ إلا بين رجل وامرأة وحدة فلا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة في نفس الوقت، ولا يجوز للمرأة أن تجمع بين أكثر من زوج في وقت واحد، وحظر تعدد الزوجات وتعدد الأزواج على سواء يعد من المبادئ التي سادت المسيحية طوال العشرين قرنا الماضية ولم تكن إطلاق موضوع خلاف على الرغم من انقساط الكنيسة إلى شرقية وغربية وإلى أرثوذكسية وكاثوليكية وبروستانتينة حتى أصبحت شريعة الزوج الواحد لها سمة وعليها علماً، مما مؤداه أن هذا المبدأ – وإن لم يرق إلى مرتبة النظم العام – يعتبر من القواعد الأصلية في المسيحية على اختلاف مللها ونخلها وطوائفها ومذهبها المتعلقة بصميم العقيدة الدينية والواجبة الاحترام والخليقة بالإنصياع فيما بين المسيحية بحيث يعتبر الزواج الثاني المعقود في حال قيام الزوجية الأولى باطلاً ولو رضى به الزوجان ويكون لهما ولكل ذي شأن حق الطعن فيه .
( الطعن رقم 898 لسنة 73 القضائية ” أحوال شخصية ” – جلسة 20/2/2006 )
وحيث أن جميع المذاهب المسيحية لا تعرف الطلاق بالإرادة المنفردة وهذا ثابت من لوائح الأحوال الشخصية السارية، الأمر الذي تتوافر بشأن ذات الاعتبارات بالنسبة للحكم المذكور.
خامساً : ينطوي طرق المسيحي لزوجته بالإرادة المنفردة وفقاً للشريعة على تحريضها على الزنا وفقاً لمبادئ الشريعة المسيحية وحكم محكمة أسرة استئناف القاهرة فيما قرره من أن الهجر الإرادي هو وجه للتحريض على الزنا وفقاً لنص المادة 50/4 من لائحة الأقباط الأرثوذكس:
” قال السيد المسيح في الانجيل المقدس : ” وأما أنا فأقول لكم : إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني ” ( مت 5 : 32 ).
ولم تعرف لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة في 9/5/1938 الزنا الحكمي، إلا أن تعديل المجلس الملي على تلك اللائحة المنشور بالعدد 126 من جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 2 يونيو سنة 2008 قد تعرض لمسألة الزنى الحكمي كسبباً للتطليق بالمادة رقم (50) من تلك اللائحة وقد استحدث هذا التعديل حالة تحريض الزوج زوجته على ارتكاب الزنى أو على ممارسة الفجور في علاقته بها ، بالفقرة الرابعة من المادة (50) من اللائحة المعدلة ، الأمر الذي يفيد أن لائحة الأقباط الأرثوذكس المعدلة تتفق مع نص الانجيل المقدس في شأن جملة ( يجعلها تزنى ) باعتبار أن طلاق الزوج المسيحي لزوجته بإرادته المنفردة يعد وجها للتحرض على الزنا ، وقد شرعت هذه المادة بغرض الوقاية من الزنا.
بجلسة 29/6/2022 أصدرت محكمة استئناف القاهرة الدائرة (28) لشئون الأسرة في الاستئناف المقيد بالجدول العمومي تحت رقم 19079 لسنة 139 ق حكمها في هذا الشأن وقررت مبدأ مفادة أن الهجر الإرادي هو وجه للتحريض على الزنا مما يعد سبباً للتطليق وفقاً للمادة 50/4 من لائحة الأقباط الأرثوذكس وهو الأمر الذي يفيد أن طلاق المسيحي لزوجته بالإرادة المنفردة أضحى – في تقديرنا – بعد صدور المادة الثالثة من الدستور عمل غير مشروع يتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد النظام العام لمخالفتها مبدأ من مبادئ الشريعة المسيحية .
تعليقك على فيس بوك
أنشر تعليقك مباشرة على فيس بوك