مقال لـ : عمرو نوار
اكتب اليوم لاعبّر عن فئة من القرّاء أعتبر نفسى واحدا منهم .. فالعلم يغيض ثم يفيض ..يغيض في عقل الكاتب ووجدانه ثم يفيض على الاوراق حروفا من نور ..وللناقد الفرنسى رولان بارت كتابا بعنوان ’’لذة النّص ’’ ناقش فيه قضية الشكل والمضمون ووصّف المقال الذى يقفز فيه القارىء متسارعا للوصول إلى النتائج وبين المقال الذى يمكن ان يستعيده القارىء إعتمادا على لذة النص ولو ان المعنى قد اتضح له من اول قراءة للنص .. وهذه القضية شغلت الادب المكتوب بكل اشكاله منذ النصوص الفرعونية القديمة وحتى الادب العربى في العصور المتاخرة لدى الامويين والعباسيين ..ومع تقديسى لادبنا وثقافتنا المصرية ولعامّيتنا المصرية الدارجة …
تلك العامية التى منعت يوما ما ادب الراحل الكبير يوسف السباعى من ان يدرسّ ضمن مناهج وزارة المعارف آنذاك ويحكى الاديب الكبير عن هذه الواقعة بألم شديد لانه كماقال كان يتمنى ان توضع احدى رواياته ضمن هذه المناهج وعندما تم ابلاغه برفض اللجنة تدريسها للطلاب نظرا لانها كتبت بالعامية الدارجة قررّ ان تكون روايته القادمة بالفصحى حتى يضمن لها نصيبا في مناهج الوزارة يقول وماان بدات في الكتابة وبدأ الحوار يسخن على لسان الابطال حتى وجدت انه من غير المنطقى ان تقول الحاجة آمنة لزوج إبنتها المعلم شوشة الدنك ’’ كيف أتيت مبكرا ايها السقاّء؟ ويكمل الاديب الكبير قائلا :فقررت ان اعطى ظهرى لوزارة المعارف وان اقضى على رغبتى الداخلية للمحافظة على ’’واقعية النص ’’ وهى جزء لايتجزا من لذته وكان ان خرجت لنا رواية تعد من ابدع الروايات العربية ’’ السقا مات ’’ الخالدة خلود أديبنا المصرى ..
ويكمن جزء من عبقرية نجيب محفوظ – في رأيى – في حل هذه الاشكالية والتى جعلتك تقبل ان تجلس على مقهى الزهرة في رواية ’’ خان الخليلى ’’ وتستمع إلى النادل والزبائن من الموظفين والعمال البسطاء و تجار الصنف وهم يتحدثون الفصحى المبسطّة فلاتستنكر أذناك وقعها على افواههم وتاخذك ’’لذة النص’’ فتقرأها مرات ومرات.. أقرأ العديد من المطبوعات الصحفية واتابع الحالة الادبية باحثا ابدا عن ذلك المعنى ..
عندما يتحول النص المكتوب إلى جسد حى مستعملا شفراته الادبية التى تجعل القارىء يشتهى العودة اليه مرة اخرى ..واذا كان القارىء هو غاية اى نص مكتوب في اى من اشكاله مقالا او رواية او قصة فان حرمان القارىء من هذه اللذة هو اخلال بمبدا التفاعل بين الكاتب والقارىء استسهالا واستعمالا للغة سردية تقليدية ..العديد يبحثون عن ايصال المعنى بدون البحث عن هذه اللذة فتتشابه الكلمات في فطرتها وتقليديتها فلايعد للنص الا قيمة الحبر الذى طبع به ..ويزهد القراء وتمتلىء المطبوعات ثم تنسحب الثقافة من الميدان رويدا رويدا ..وارى ان القضية تكمن في مسالتين ..
اولاهما الاستسهال والذى لايجعل الكاتب يتعب نفسه في الغوص في لغته الذاتية باحثا عن المعانى والمفردات الجديدة وان يبنى الجملة الصحفية بناءا دراميا محبوكا يتضمن المقابلة والدهشة ومفاجأة القارىء لان كل نص قرأ بلذّة لابد ان يكون كتب بلّذة ..اما ان يمسك الكاتب قلمه ليؤدى وظيفته فيبهت السطور ويعيد كتابة كل الكلمات والمعانى التى يعرفها القارىء فيصيب القارىء بالملل وان كان يعبر عن معنى جديد بلامتعة تجعل الحرف ينتقل من دلالة المعنى إلى حرف مفعم بالانفعالات ..
والسبب الثانى هو عدم القدرة على الابداع في التعبير وعندما يجد القارىء انه يستطيع ان يعبر عن رايه بنفس السرد التقليدى تنتهى المسافة بينه وبين كاتب النص …وملحة الوداع سأل الاحنف بن قيس عن البلاغة فقال البلاغة الايجاز قيل وما الايجاز قال ان تجيب فلاتبطىء وان تسرع فلاتخطىْ واكتفى في هذا المعنى بالدكتور عبدالحليم قنديل اذا تحدث ومفيد فوزى إذا كتب .
حكواتى المحروسة
تعليقك على فيس بوك
أنشر تعليقك مباشرة على فيس بوك