مقال لــ : عمرو نوار
لقد أحسن اجدادنا صنعا إذ لم يمنحوا الجنسية آليا لكل من ولد على أرض مصر من الذكور ..بل كانت القوانين تقتضى اختباره عند بلوغه الثامنة عشر في فنون القتال والطقوس الدينية ومعرفة تاريخ مصر ثم يقسم يمين الولاء ثم يمنح الجنسية المصرية ليحمل لقب ’’مصري’’ اما قبلها فهو مواطن فقط يعيش على ارض مصر مثل كل من يسكن ارضها من مختلف الأعراق والاجناس الوافدة ولايمكنك ان تفهم مغزى ما كان يفعله الأجداد الا في إطار ما يحدث حاليا وعبر تاريخ مصر فلم يعط هذا التاريخ لمصرالا فترات بسيطة لالتقاط أنفاسها وحتى هذه الفترات البسيطة لم تكن الا كاستراحة المحارب .
النيل هدف وكنوز مصر هدف وحضارتها هدف وارضها الخصبة وسط صحراء القوم هدف فتعددت الأهداف وتعدد الطامعون من الغزاة والمستعمرين والمتآمرين فاحتاجت مصر ليس الى مواطنين يسكنون ارضها ولكن الى ’’مصريين’’ جاهزين للفداء عند كل نداء هذا مع جينات تدفعهم دفعا الى الابداع والعلم وبناء الحضارة ولم يكن هذا كله ممكنا الا بإخلاص هؤلاء ’’المصريين ’’ لهذه ال’’مصر ’’ حتى النهاية فمن يولد ’’مصادفة’’ على هذه الأرض او جاء عابرا للسبيل باحثا عن القوت في الأرض الغنية يصلح ان يكون مواطنا ولكن ليس كل أحد يصلح ان يكون ’’مصري’’ .
كانت هذه وجهة نظر الأجداد التي فرضتها عليهم جغرافية وظروف مصر ..الان وبعد قرابة سبعة الاف سنة وعندما تتلّفت حولك ستجد ملايين من ’’المواطنين’’ وقليل من المصريين… وعندما تتأمل الأسماء ستجد ’’مصري’ اسمه زويل ومصري اسمه يعقوب ومصرية اسمها ام كلثوم ومصري اسمه احمدشوقى ومصري اسمه عبدالناصر الخ الخ …
كل من قدم لمصر ابداعا فهو مصري كل من ضحى في سبيلها بحياته ’’الخاصة ’’وهو على قيد الحياة فهو مصري ..اما الذين تاجروا فيها بكل شيء لأجل انفسهم فأولئك هم المواطنون العابرون لمرةّ واحدة في تاريخها العظيم .. فالذي يتاجر بالدين والفن والسياسة هو مواطن يحمل الجنسية المصرية لكنه ليس’’ مصري’’.
من يعتبر ان الأبراج الاسمنتية المصطنعة هي أكثر ارتفاعا قياسا الى الاهرامات لم يفهم مصر ولادور الحضارة المصرية في إرساء معالم الحضارة في هذا الكون …ارتفاع الحضارة المصرية كان متران فقط هو طول الانسان الذي صنعته تلك الحضارة بفنه وعلمه و وموروثه الثقافي ..فهم اجدادنا القدماء ان الخصوصية هي صانعة الحضارة المصرية من ثقافة الفن مرورا بثقافة اللغة والادب وحتى ثقافة الغذاء والبناء فاذا تعرض هذا الموروث الى عناصر اجنبية وافدة لابأس لأن مصر ونستعير هنا قول الشاعر الكبير نجم حين شبه مصر بقدرة الفول الكبيرة والتي ان وضعت مهما وضعت فيها من طعوم ونكهات غريبة وغرفت فلن تغرف الا فولا في النهاية هذا هو سر مصر وجزء من تركيبة حضارتها المبتلعة لكل وافد في آن و الملهمة له في نفس الوقت.
المصريون يفهون ذلك ..المواطنون لا يفهمون ..المصريون ينظرون الى الثقافات الوافدة في السنوات الأخيرة في الغذاء والشكل والطعم وابهار التكنولوجيا وسهولة حياة الآخر في الجوار على انها نتيجة يمكن تحقيقها بجلاء الغبار عن المعدن الأصيل للجينة المصرية المنتجة والمبدعة المصريون يعون ويفهمون ويعملون بجدية من اجل ذلك اما المواطنون فتمتلأ جنبات البلاد بضوضائهم وتحسرهم على حياة اهل الجوار ومدحهم لكل وافد تماما كما تفننوا من قبل في الصاق التحقير بكل ما هو ’’مصري’’ فالذوق السيء اسمه ’’ذوق بلدى’’ والكلب الجربان اسمه ’’كلب بلدى ’’وهكذا …
وختاما أقول لهؤلاء ان المدن كرتونية الصناعة زائفة الصبغة التي لا يوجد لديها انجاز حقيقي ساهمت به في فاتورة ’’الحضارة الإنسانية ’’ الى زوال أما ام البلاد مصر وام مدائنها القاهرة فهي الباقية منذ فجر التاريخ والى غروب شمس هذا العالم وعلى كل منهم ان يختار ان يكون ’’مواطنا ’’ او ان يكون ’’مصري’’ مع الوضع في الاعتبار ان المواطن ’’مش ’’مصري .
’’ حكواتي المحروسة ’’