مقال لـ : عمرو نوار
تخدعك ايناس جوهر كل صباح بعذوبتها ثم تكتشف بعد مرور السنين ان الدنيا لم تكن ابدا شابه حتى لو كنت انت جدع..و فى مشهد تكرّر كثيرا فى الافلام والمسلسلات القديمه سترى الناس فى اللحظات الفاصله فى تاريخ الوطن رافعين اعناقهم مميلين آذانهم وشاخصين بابصارهم الى الاعلى حيث يقبع ذلك الصندوق المعدنى شامخا فى علياؤه محفوظا على الرف داخل المقهى او فى صالات البيوت كمقام احد اولياء الله الصالحين
ذلك الصندوق المعدنى الذى صنع مخيلّة اجيال واجيال لحقنا نحن بذيلها ..فلعقود لم يعرف الاطفال شكل ابله فضيله ولا بابا شارو ولم ير المستمعون وجه آمال فهمى ولا على فايق زغلول ولكن تشكلت لهم ملامح فى خيال وذاكرة كل مستمع
فى العاشره صباحا حين يمرّ بائع الخضار بعربته فى اروقة حوارى وشوارع مصر سيصدح صوت ام الاذاعيين صفيه المهندس فى برنامج رباّت البيوت … تاريخ وحاله وجدانيه شكلهّا ذلك الصندوق المعدنى الذى علمّ الانسان المصرّى من الثقافه والفن والادب مالم يعلم .. احتفظ عبر تاريخه بعدالة المخاطبه والتوجه فهو صديق الفلاح كما هو صديق الباشا وتسلية الغفير فى نوبته و الوزير فى وزارته لايفرّق بين احد من مستمعيه ..
ثم دارت الايام دورتها المعتاده فإهتّز الرّف وامتدت الايدى الى صندوق الّولى الصالح تحاول انزاله من قلوب وعقول المصريين …وقاومت الاذاعه المصريه لترويض كل الافاعى التى خرجت تاره من جعبة الخصوم وتاره اشّد من جعبة المبنى العتيق…واخطرها على الاطلاق هو الاتجاه الذى نلمحه فى معاملة هذا الكيان المصرى الاسطورى معاملة شركات القطاع العام الخاسره فكثر الحديث عن اعادة الهيكله وانشاء هيئة الاعلام الوطنى وادخال المستثمرين وتاجير الاستوديوهات والمعاش المبكر وفصل العاملين الخ الخ …تماما كما تعاملت العقليات المنقرضه مع شركات الغزل والمربى والكتان ..
لم تفكر الحكومه خارج الصندوق او حتى داخله كالمعتاد ولكنها قررت فى تطور نوعى ابداعى ان تبيع الصندوق باكمله ….ولن استغرب فى هذا الاطار ان تعلن هيئة الاعلام الوطنى الجديده عن خطّه لبيع محطات الاذاعه بالمزاد السرّى ..بابا شارو قديم للبيع ..حكايات ابله فضيله مين يزّود … هنا القاهره… حيث كل شىء يباع ويشترى ..حتى التاريخ …المهم ان تحمل بطاقتك الائتمانيه ….مبنى تكمن عبقريته فى ان المعترض ليس عليه سوى عبور الشارع ليشرب بحر النيل بأكمله …. يمكن ان يحدث هذا طالما ان صانع القرار مازال يقرا نفس التقارير المسمومه التى كتبتها نفس العصابه التى فككت كيانات الوطن سابقا وباعتها فى ساحات العرض والطلب وطالما لم تعى الدوله اى فارق بين اذاعة البرنامج العام وبين مصنع حديد الدخيله وبين اذاعة الشرق الاوسط وبين الطريق الصحراوى …
وحيث انه من الصعب احضار ابونا مكارى يونان لإخراج الشياطين من المبنى العتيق ..فإننى اطلب من اهل ماسبيرو الاحباء ان يتناسوّا –ولو مؤقتا-’’الخلافات الشخصيه’’ والطعنات الخلفيه’’ و’’ مؤمرات الهواتف الليليه ’’ لان كل مخلص لماسبيرو يؤمن ان ابناء ماسبيرو هم وحدهم القادرون على العبور الى شط الامان وانه لايمكن لنا ان نبيع التاريخ لنحافظ على الجغرافيا ..اما التعويذه السريه والحجاب الطارد للشياطين الذى يجب ان يعلقّه كل من ينتسب للإذاعه المصريه العظيمه يتخلص فى كلمه واحده (انا ماسبيرو إنت مين )
’’حكواتى المحروسه ’